فصل: الشاهد الثاني والعشرون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني خراسان من صنهاجة الثوار بتونس على آل باديس عند اضطراب افريقية بالعرب ومبدأ أمرهم ومصاير أحوالهم.

لما تغلب العرب على القيروان وأسلم المعز وتحول إلى المهدية اضطرمت أفريقية نارا واقتسمت العرب البلاد عمالات وامتنع كثير من البلاد على ملوك آل باديس مثل أهل سوسة وصفاقس وقابس وصارت صاغية أهل أفريقية إلى بني حماد ملوك القلعة وملكو القيروان كما تقدم وانقطعت تونس عن ملك المعز ووفد مشيختها على الناصر بن علناس فولى عليهم عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان يقال إنه من أهل تونس والأظهر أنه من قبائل صنهاجة فقام بأمرهم وشاركهم في أمرة وتودد إليهم وأحسن السيرة فيهم وصالح العرب أهل الضاحية على أتاوة معلومة لكف عاديتهم وزحف تميم بن المعز من المهدية إليه سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في جموعه ومعه يبقى بن على أمير زغبة فحاصر تونس أربعة أشهر إلى أن صالحه ابن خراسان واستقام على طاعته فأفرج عنه ولم يزل قائما بأمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين وأربعمائة فولي ابنه أحمد بن عبد العزيز بن عبد الحق فقتل عمه إسماعيل بن عبد الحق لمكان ترشه وغربه أبو بكر إلى أن برزت فأقام بها خوفا على نفسه ونزع أحمد إلى التخلق بسير الملك والخروج عن سيرة المشيخة واشتدت وطأته وكان من مشاهير رؤساء بني خراسان هؤلاء فاستبد بتونس لأول المائة السادسة وضبطها وبنى أسوارها وعامل العرب على إصلاح سابلتها فصلحت حاله وبنى قصور بني خراسان وكان مجالسا للعلماء محبا فيهم ونازله علي بن يحيى بن العزيز بن تميم سنة عشر وخمسمائة وضيق عليه ودافعه بأسعاف غرضه فأفرج عنه ثم نازله عساكر العزيز بن منصور صاحب بجاية فعاد إلى طاعته سنة أربعة عشر وخمسمائة ولم يزل واليا على تونس إلى أن نهض سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة مطرف بن علي بن حمدون قائد يحيى بن العزيز من بجاية في العساكر إلى أفريقية وملك عامة أمصارها فتغلب على تونس وخرج أحمد بن عبد العزيز صاحبها ونقله إلى بجاية بأهله وولده وولى على تونس كرامة بن المنصور عم يحيى بن العزيز فبقي واليا عليها إلى أن مات وولي عليها بعده أخوه أبو الفتوح بن المنصور إلى أن وولي مكانه ابن ابنه محمد وساءت فعزل وولي مكانه عمه بن المنصور إلى أن استولى النصارى على المهدية وسواحلها ما بين سوسة وصفاقس وطرابلس سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وصارت لصاحب صقلية وأخرج الحسن بن علي كما هو مذكور فأخذ أهل تونس في الاستعداد والحذر واستأسدوا لذلك على واليهم وانتشر بغاتهم وربما ثاروا بعض الأيام عليه فقتلوا عبيده بمرأى منه واعتدوا عليه في خاصته فبعث عنه أخوه يحيى من بجاية فركب البحر في الأسطول وترك نائبه العزيز بن دامال من وجوه صنهاجة فأقام بينهم وهم مستبدون عليه وكان بالمعلقة جوارهم محرز بن زياد أمير بني علي من بطون رياح قد تغلب عليها.
وكانت الحرب بينه وبين أهل تونس سجالا والتحم بينهما المصاف وكان محرز يستمد عساكر صاحب المهدية على أهل تونس فتأتيه إلى أن غلب النصارى على المهدية وحدثت الفتنة بينهم بالبلد فكان المصاف بين أهل باب السويقة وأهل باب الجزيزة وكانوا يرجعون في أموهم إلى القاضي عبد المنعم ابن الإمام بي الحسن.
ولما غلب عبد المؤمن على بجاية وقسنطينة وهم العرب بسطيف ورجع إلى مراكش انتهت إليه شكوى الرعايا بأفريقية مما نزل بهم من العرب فبعث ابنه عبد الله من بجاية إلى أفريقية في عساكر الموحدين فنازل تونس سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وامتنعت ودخل معهم محرز بن زياد وقومه من العرب واجتمع جندهم وبرزوا للموحدين فأوقعوا بهم وأفرجوا عن تونس وهلك أميرها عبد الله بن خراسان خلال ذلك وولي مكانة علي بن أحمد بن عبد العزيز خمسة أشهر وزحف عبد المؤمن إلى تونس وهو أميرها فانقادوا لطاعته كما نذكره في أخبار الموحدين ورحل علي بن أحمد بن خراسان إلى مراكش بأهله وولده وهلك في طريقه سنة أربع وخمسين وخمسمائة وأفرج محرز بن زياد عن المعلقة واجتمعت إليه قومه وتدامرت العرب عن مدافعة الموحدين واجتمعوا بالقيروان وبلغ الخبر إلى عبد المؤمن وهو منصرف من غزاته إلى المغرب فبعث إليهم العساكر وأدركوهم بالقيروان فأوقعوا بهم واستلحموهم قتلا وسبيا وتقبض على محرز بن زياد أميرهم فقتل وصلب شلوه بالقيروان والله يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهو على كل شيء قدير.

.الخبر عن بني الرند ملوك قفصة الثائرين بها عند التياث ملك آل باديس بالقيروان واضطرابه بفتنة العرب ومبدأ دولتهم ومصاير أمورهم.

لما تغلب العرب على أفريقية وانحل نظام الدولة الصنهاجية وارتحل المعز من القيروان إلى المهدية وكان بقفصة عاملا لصنهاجة عبد الله بن محمد بن الرند وأصله من جرية من بني صدغيان وكان ابن نحيل هو من بني مرين من مغراوة وكان مسكنهم بالجوسين من نفراوة فضبط قفصة وقطع عنها عادية الفساد وصالح العرب على الأتاوة فصلحت السابلة واستقام الحال ثم استبد بأمره وخلع الامتثال من عنقه سنة خمس وأربعين وخمسمائة واستمر على ذلك وبايعته توزر وقفصة وسوس والحامة ونفزاوة وسائر أعمال قسنطينة فاستفحل أمره وعظم سلطانه ووفد عليه الشعراء والقصاد وكان معظما لأهل الدين إلى أن هلك سنة خمس وستين وخمسمائة.
وولي من بعده ابنه المعتز وكنيته أبو عمر وانقاد إليه الناس فضبط الأمور وجبى الأموال واصطنع الرجال وتغلب على قموده وجبل هوارة وسائر قسطيلية وما إليها وحسنت سيرته إلى أن عمي وهلك في حياته ابنه تميم فعهد لابنه يحيى بن تميم وقام بالأمر واستبد على حده ولم يزالوا بخير حال إلى أن نازلهم عبد المؤمن سنة أربع وخمسين وخمسمائة فمنعهم من الأمر ونقلهم إلى بجاية فمات المعتز بها سنة سبع وخمسين وخمسمائة لمائة وأربع عشرة من عمره وقيل لسبعين ومات بعده بيسير حافده يحيى بن تميم وولى عبد المؤمن على قفصة نعمان بن عبد الحق الهنتاتي.
ثم عزله بعد ثلاث بميمون بن أجانا الكنسيفي ثم عزله بعمران بن موسى الصنهاجي وأساء إلى الرعية فبعثوا عن علي بن العزيز بن المعتز من بجاية وكان بها في مضيعة يحترف بالخياطة فقدم عليهم وثاروا بعمران بن موسى عامل الموحدين فقتلوه وقدموا علي بن العزيز فساس ملكه وحاط رعيته وأغزاه يوسف بن عبد المؤمن سنة ثلاث وستين وخمسمائة أخاه السيد أبا زكريا فحاصره وضيق عليه وأخذه وأشخصه إلى مراكش بأهله وماله واستعمله على الأشغال بمدينة سلا إلى أن هلك وفنيت دولة بني الرند والبقاء لله وحده.